-->
اكتب ما تود البحت عنه و اضغط Enter
معذرة، فالصفحة التي تبحث عنها في هذه المدونة ليست متوفرة.

السبت، 2 يونيو 2018

إعلان زين الجديد عن القدس: متاجرة بالقضية الفلسطينة أم رسالة قوية للعالم؟!

سنفطر في القدس - اعلان زين الجديد - رمضان 2018


تُعد قضية القدس لُبّ الصراع العربي-الإسرائيلي كقضية في ذاتها، فضلاً عن كونها جزءًا ومفصلًا أساسيًا في القضية فلسطينية، وعقدة جوهرية على مفترق طرق السلام في المنطقة العربية، وبصفة خاصة عقب إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المدينة التاريخية المقدسة كعاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، ونقل السفارة الأمريكية إليها، مما أثار استهجان جميع الدول العربية، واندلاع الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينة، واستشهاد عدد كبير من الفلسطنيين برصاص قوات الاحتلال إثر مواجهات اندلعت على حدود قطاع غزة.

وعليه، ومع بداية المارثون الإعلاني لرمضان 2018، قامت مجموعة “زين” الكويتية للاتصالات – وهي إحدى شبكات الهواتف النقالة في منطقة الخليج العربي- بتبني رسالة سياسية إنسانية في المقام الأول عبر حملاتها الدعائية لهذا العام، بتأكيدها على أن القدس عاصمة فلسطين، وبتناول معاناة اللاجئين في جميع مناطق الصراع، كفلسطين وسوريا.
ويُظهر محتوى الإعلان طفلاً عربياً يروي المعاناة التي يعيش فيها الأطفال نتيجة الحرب على بلادهم، ويخاطب دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بقوله:

“سيدي الرئيس، رمضان كريم.. وأنت مدعو على الإفطار”.

ثم يلتقي الطفل العربي في تتابع بشخصيات كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى جانب مشاهد الدمار واللاجئين وغرقى قوارب الموت والمباني المدمرة.
وألقى الضوء على أزمة لاجئي سوريا، وتشريد مسلمي الروهينغا، مع ظهور لجموع اللاجئين وهم يخوضون مياه البحر أملًا في الوصول إلى ملاذ آمن، وذلك من دون أن يغفل قضية القدس وما أثاره نقل السفارة الأمريكية، حيث أكد الطفل من خلال كلماته على عروبة مدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، وذلك ردًا على القرار الصادر باعتماد القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية إليها، لينتهي الإعلان باستكمال دعوة الطفل بمشهد رمزي يعبر عن الخلاف الخليجي، إذ تظهر ست شخصيات بملابس خليجية، وهم متحدون ويسيرون نحو القدس بخطوات واثقة، في رسالة سياسية واضحة برفض نقل السفارة الأميركية إليها، مع ترديد عبارة:

“سنفطر في القدس.. عاصمة فلسطين”.

شخصيات الإعلان:


الإعلان من إنتاج وكالة “جوي بروداكشن”، وكلمات الكاتبة الكويتية هبة حمادة، وألحان بشار الشطي، وتوزيع ربيع الصيداوي، وإخراج سمير عبود. وتقول كلماته:
سيدي الرئيس.. رمضانٌ كريم
وأنت مدعو على الافطار 
إذا وجدت بيتي في الدمار 
وعادت أمي من الطابور
بخبزٍ وقلبٍ مكسور
وأذنت مساجد.. ورنّت الكنائس
جيران في الله.. أبواب بلا حارس
ووصلت مراكب الموت 
إلى أرض الأحلام
دون أن يصبح الأطفال.. قضية رأي عام
سيدي الرئيس.. أنا لا أنام
كلما أغمضت عيني، أسمع انفجار 
ويشتعل سريري دخاناً ونار 
ويخرج الخوف من باب الدولاب
وتبكي الأغاني.. وتنزف الألعاب
سيدي الرئيس.. تنزف الألعاب
سيدي الرئيس.. نحن الهاربون
نحن المبعدون.. نحن المذنبون
نحن المتهمون بالعبادة 
المحكومون شنقاً بالإبادة
الذين قُطعت ألسنتنا، لأنها نطقت بالشهادة
سيدي الرئيس.. 
سنفطر في القدس.. عاصمة فلسطين
يكتبها رب الأمنيات العالقة، بين يا ليت وآمين

آمين.. آمين.. أمين.. أمين

رسائل سياسية وإنسانية قوية موجهة للعالم أم متاجرة بالقضية الفلسطينة؟!

قدّمت “زين” في إعلانها الجديد عدة رسائل سياسية، كان أولها رسالة رفض للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تدعو للسلام ونبذ الحروب، بسبب تأثيره السيئ على الإنسانية كلها وعلى الأطفال تحديدًا، وبصفة خاصة بعد قراره نقل السفارة، وما سيسفر عنه من تأزيم الوضع الراهن، وتأجيج الصراع العربي – الإسرائيلي.
الرسالة الثانية كانت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتورطه وجيشه في القصف على المدن السورية، وسقوط قتلى مدنيين بطيرانهم. فضمن سياق الإعلان، يضع الطفل العربي يده بيد بوتين، وهما ينظران من نافذة تطل على مسجد وكنيسة، في إشارة للتعايش السلمي.
وظهرت في الإعلان شخصية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بملامح حزينة بين جثث غرقى محاولات الهجرة غير الشرعية، وهي تنقذ اللاجئين السوررين راكبي قوارب الموت، في دعوة صريحة للنظر في أمرهم ومحاولة تحسين أوضاعهم القاسية.
في حين جاءت الرسالة الموجهة إلى الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بأن يكفّ عن استخدام وتطوير الأسلحة المدمرة، وتهديد جيرانه بها، ليحلّ السلام في العالم بعيدًا عن الدمار النووي.
ثم تظهر شخصية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وهو يحاول إنقاذ من يفرون من الإبادة، في إشارة إلى “الروهينغا”.


وقد تفاعل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع الإعلان، فقد أثار الإعلان مُنذ نشره على موقع YouTube جدلًا واسع النطاق، ما بين مؤيد ومعارض، وجاءت ردود الأفعال متباينة بين معجب ومشجع ومستنكر.
حيث انقسمت الآراء بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لفريقين، الأول يرى إن الإعلان رائع، ويعبّر عن رغبة حقيقية في تحقيق السلام العادل والشامل، مع التأكيد على عربية القدس.
وعلى رأس المُشيدين بالإعلان جاءت ملكة الأردن، الملكة رانيا العبدالله، والتي نشرت الإعلان على صفحتها الرسمية على موقع تويتر، مع تعليق:


“We’d do well to listen to children’s voices – من الجيد أن نستمع إلى صوت الأطفال”

فيما لاقى الإعلان تفاعلاً واسع النطاق من عدد كبير من الشخصيات العربية الهامة، فقد أبدى طارق السويدان إعجابه بالإعلان على صفحته الرسمية بموقع تويتر، قائلًا:

“أخبروا الأطفال.. الحق باق والظلم إلى زوال”.

كما أعرب جمال سلطان رئيس تحرير جريدة “المصريون” عن اندهاشه ممن يهاجمون الإعلان، واعتبره إبداعًا جديدًا يُسَّجل لإعلانات الشركة:
بينما أشاد نضال منصور الصحفي الأردني المتخصص بقضايا حقوق الإنسان بلغة الإعلان.
لنجد عدداً كبيراً من المؤيدين للرسالة الإعلانية لحملة “زين” الخاصة برمضان 2018:
https://twitter.com/Kuwaity__7r/status/997148724316000257
أما الفريق الثاني، فيرى أن الإعلان يتاجر بالقضية الفلسطينية، ويصور جانباً من المهانة العربية بتمثيله قادة الغرب كفاعل أساسي يمتلك مفاتيح اللعبة السياسية، بينما العرب يتوسلون إليهم بذلّ للحصول على حقهم، متسائلين هل يحق لشركة تجارية مساهمة الدخول في معترك الخط السياسي؟
ليأخذ النقاش حول الإعلان منحى آخر، ويتحوّل إلى سجال وجدال بين عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية السابق، وياسر أبو هلالة، مدير قناة الجزيرة السابق.
حيث غرّد الراشد قائلاً:

“في إعلان زين السياسي، المنقذ هو الرئيس بوتين يقود الجميع لتحرير القدس، ناقص الإعلان بطل الإخوان المرشد خامنئي”.

ثم أضاف، قائلًا:

“إعلان زين الكويت يعزّز الشكوك في هيمنة الفكر الإخواني الإيراني، استخدام أموال الشركات في بروبغندا سياسية موجّهة”.

ليردّ عليه أبو هلالة قائلاً:

“شكرًا زين. الراشد يزاود على أفيخاي أدرعي، صهيوني انتحاري! الوشاية بحق الجزيرة مفهومة، لكن بحق شركة ناجحة واستثمار عربي غريبة؟ طبعاً هو أبو البروباغاندا إن كانت لصالح دول الحصار، ما رأي عبد الخالق عبد الله القومي الفذّ هل لا يزال يطالب به مديرًا للجزيرة”.


ونتيجة للضغوط المتوقعة، فقد أوقفت مجموعة قنوات MBC عرض الإعلان على شاشاتها، وذلك بعد موجة من الانتقادات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وصفته بأنه يستجدي التعاطف بطريقة مهينة.

أما إذا تناولنا الإعلان من الناحية التسويقية، بمنظور متخصص فنجد ما يلي:


مجموعة “زين” هي شركة اتصالات متنقلة، مقرها الرئيسي في الكويت، ولها شركات فرعية في عدة دول أهمها السعودية. ومنذ 2015 بدأت حملات “زين” الرمضانية تأخذ منحى إنسانيًا، في إطلاق حملات ضد العنف والجوع وقضايا أخرى تشكل كوارث إنسانية، باتباع استراتيجية التسويق بالقضايا الإنسانية. وهذا العام هُناك عدة نقاط تدور حول إعلانها الجديد:

1- اعتمدت مجموعة زين للاتصالات على استخدام استراتيجية التسويق الفيروسي Viral Marketing في إعلانها لرمضان 2018، وهي تقنية تسويقية تستغل شبكات التواصل الاجتماعي للترويج للعلامات التجارية أو تقديم رسالة ما بغرض تحقيق أهداف ترويجية أخرى، ويسمى أيضًا بالتسويق الشفهي Word of mouth Marketing، حيث تنتشر الرسالة أو المعلومة أو الخبر الذي يتناوله الإعلان بين الأشخاص الذين يتداولونه فيما بينهم دون توقف، تمامًا مثل انتشار الفيروسات.
2- نجحت زين في تحقيق هذا الانتشار عبر إعلانها القائم على التسويق بالقضايا الإنسانية، فحتى لحظة كتابة هذا التقرير بلغ عدد المشاهدات على موقع YouTube حوالي 1,931,259 مُشاهدة، وبالتالي فهذا نجاح في التوعية بالعلامة التجارية وتعريف الناس بها بصورة غير مباشرة، على الرغم من أنه لم يذكر اسم العلامة التجارية “زين” نهائيًا ضمن سياق الإعلان، ومع ذلك الكُل الآن يردد: “إعلان زين، سنفطر في القدس”.
3- الإعلان جاء كنموذج جيد لفكرة طرح قضية سياسية بعيدًا عن الطاولات الرسمية والمؤسسية ضمن إعلان تجاري، ونجح في تحريك مشاعر المؤيد والمعارض له، وبالتالي نجح في تسليط الضوء على ما هو أهم من الإعلان نفسه، ألا وهو القضية الفلسطينة، وذلك للمرة الأولى ضمن إعلان تجاري.
4- بالرغم من الانتقادات شديدة اللهجة لاستخدام الطفل العربي ضمن سياق الإعلان كلمةَ “سيدي الرئيس” فيجب الإشارة إلى أن لغة الإعلان اعتمدت على لغة الاحترام والحيادية في مخاطبة الرؤساء والزعماء، وهذا لا يعني الخنوع أو الذل والمهانة.
5- أكّد محتوى الإعلان من خلال الطفل العربي على أننا سنفطر في القدس، ولم يطلب الإذن ولا الاستجداء لذلك، بل قام بدعوة زعماء الغرب بصفته صاحب الأرض والحق فيها، بتأكيده أن القدس عربية وأنها عاصمة فلسطين في تحدٍّ وليس في استجداء، بل دافع عن القضية المحورية في الصراع العربي الإسرائيلي، وهي قضية القدس، واختار مجموعة من القادة الغربيين كرموز.
6- قدم الإعلان واقعًا أليمًا يعيشه شباب وأطفال العرب وسط تجاهل غربي، مجسدًا آلام مذابح بورما والهجرة غير الشرعية، بطريقة بصرية جذابة جدًا وفنية عالية، واختار الإعلان أن يتحدث من خلال طفل عربي، كرمز أقوى على أن من يعاني من التأثير السلبي للحرب والدمار وسياسيات الدول هُم الأطفال، كأضعف فئات المجتمع.
7- أولًا وأخيرًا مجموعة “زين” للاتصالات شركة تجارية، وليست مؤسسة سياسية، وتبنّيها الرسالة السياسية لهذا الإعلان يُحسب لها كموقف شجاع لا عليها، مع ملاحظة أنها قد تتعرض لمضايقات تجارية على الصعيد العالمي.
8- على الرغم من روعة الرسالة الإنسانية التي تضمنها الإعلان وجودة التنفيذ البصري والفنية العالية، إلا أنه غاب عن الوكالة الإعلانية المنفذة للإعلان أهم عنصر في الإعلان التجاري، ألا وهو الجمهور المستهدف. إذ أن الرسالة موجهة إلى رؤساء العالم، فلماذا يُعرض على المشاهد العربي؟ لقد أخطأَتْ زين في اختيار الفئة المستهدفة لحملاتها الإعلانية، فإعلان يُعرض على الشاشات العربية للعرب لن يكفي لتغيير وضع مأساوي نعيش فيه.
9- لم يهاجم الإعلان سياسات الغرب ولا حتى قادته ورؤساءه، بل أظهر لهم تسامحًا ورغبة في السلام، ولم يشر إليهم بأصابع الاتهام حول الوضع السياسي المتأزم جراء سياساتهم.
10- وفي الوقت نفسه، يطلب الإعلان من ترامب في رسالة ضمنية النظر في حل أزمة استعادة القدس، بينما كانت ابنته إيفانكا تحتفل مع الإسرائيليين في المقر الجديد للسفارة الأمريكية في القدس! وهو من تجرأ بالأساس على اتخاذ هذا القرار، بعدما غض بصره على احتجاجات المجتمع الدولي.
وفي النهاية، يجب أن نضع باعتبارنا أن إعلان “زين” يُعدّ الإعلان التجاري العربي الوحيد الذي طرح قضية سياسية شائكة وحساسة ضمن إطار حملته الدعائية بعيدًا عن الشكل المؤسسي.

شارك الموضوع عبر :

كاتب الموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ل مدونة بصمة تقنية